فصل: قال ابن العربي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} فِيهَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ: فِي نُزُولِهَا خَبَرٌ عَمَّنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأُمَمِ، وَوَعْظٌ مِنْ اللَّهِ لَنَا فِي مُجَانَبَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي ذَمَّهُمْ بِهِ، وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: قَالَ نَافِعٌ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} قَالَ: يَعْنِي بِهِ السَّوْطَ وَقَالَ غَيْرُهُ بِالْقَتْلِ؛ وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَ مَالِكٌ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ مُوسَى: {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِاَلَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْت نَفْسًا بِالْأَمْسِ إنْ تُرِيدُ إلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ}.
وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى لَمْ يَسُلَّ عَلَيْهِ سَيْفًا، وَلَا طَعَنَهُ بِرُمْحٍ؛ وَإِنَّمَا وَكَزَهُ، فَكَانَتْ مَيْتَتُهُ فِي وَكْزَتِهِ.
وَالْبَطْشُ يَكُونُ بِالْيَدِ، وَأَقَلُّهُ الْوَكْزُ وَالدَّفْعُ، وَيَلِيهِ السَّوْطُ وَالْعَصَا، وَيَلِيهِ الْحَدِيدُ؛ وَالْكُلُّ مَذْمُومٌ إلَّا بِحَقٍّ. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {أَتَبْنُونَ بَكُلِّ رِيعٍ} فيه ستة تأويلات:
أحدها: أن الريع الطريق، قاله السدي، ومنه قول المسيب بن علي:
في الآل يخفضها ويرفعها ** ريع يلوح كأنه سحل

السحل: الثوب الأبيض، شبه الطريق به.
الثاني: أنه الثنية الصغيرة، قاله مجاهد.
الثالث: أنه السوق، حكاه الكلبي.
الرابع: أنه الفج بين الجبلين، قاله مجاهد.
الخامس: أنه الجبال، قاله أبو صخر.
السادس: أنه المكان المشرف من الأرض، قاله ابن عباس، قال ذو الرمة:
طِراق الخوافي مشرق فوق ريعهِ ** ندى ليله في ريشه يترقرق

{ءَايةٍ تَعْبَثُونَ} في آية ثلاثة أوجه: أحدها: البنيان، قاله مجاهد.
الثاني: الأعلام، قاله ابن عباس.
الثالث: أبراج الحمام، حكاه ابن أبي نجيح.
وفي العبث قولان:
أحدها: اللهو واللعب، قاله عطية.
الثاني: أنه عبث العشّارين بأموال من يمر بهم، قاله الكلبي.
قوله تعالى: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} فيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: القصور المشيدة، قاله مجاهد، ومنه قول الشاعر:
تركنا ديارهم منهم قفارًا ** وهَدّمنا المصانع والبُروجا

الثاني: أنها مآجل الماء تحت الأرض، قاله قتادة، ومنه قول لبيد:
بَلينا وما تبلى النجوم الطوالع ** وتبقى الجبال بعدنا والمصانع

الثالث: أنها بروج الحمام، قاله السدي.
{لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} أي كأنكم تخلدون باتخاذكم هذه الأبينة، وحكى قتادة:
أنها في بعض القراءات: كأنكم خالدون.
قوله تعالى: {وَإذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أقوياء، قاله ابن عباس.
الثاني: هو ضرب السياط، قاله مجاهد.
الثالث: هو القتل بالسيف في غير حق، حكاه يحيى بن سلام.
وقال الكبي: هو القتل على الغضب.
ويحتمل رابعًا: أنه المؤاخذة على العمد والخطأ من غير عفو ولا إبقاء.
قوله تعالى {إِنْ هَذا إِلاَّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: دين الأولين، قاله ابن عباس.
الثاني: كدأب الأولين، قاله مجاهد.
الثالث: عادة الأولين، قاله الفراء.
الرابع: يعني أن الأولين قبلنا كانوا يموتون فلا يبعثون ولا يحاسبون، قاله قتاة. اهـ.

.قال ابن عطية:

{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123)}.
{عاد} قبيلة، وانصرف للخفية، وقيل هو اسم أبيهم وخاطبهم {هود} عليه السلام بمثل مخاطبة سائر الرسل، ثم كلمهم فيما انفردوا به من الأفعال التي اقتضتها أحوالهم فقال: {أتبنون} على جهة التوبيخ، والريع المرتفع من الأرض، ومنه قول المسيب ابن عباس يصف ظعنًا: الكامل:
في الآل يخفضها ويرفعها ** ريع يلوح كأنَّه سحل

والسحل الثوب الأبيض ومنه قول ذي الرمة: الطويل:
طراق الخوافي مشرق فوق ريعة ** ندى ليله في ريشه يترقرق

ومنه قول الأعشى: المتقارب:
وبهماء قفر تجاوزتها ** إذا خب في ريعها آلها

ويقال: {رِيع} بكسر الراء ويقال: {رَيع} بفتحها، وبها قرأ ابن أبي عبلة وعبر بعض المفسرين عن الريع بالطريق وبعضهم بالفج وبعضهم بالثنية الصغيرة.
قال القاضي أبو محمد: وجملة ذلك أنه المكان المشرف وهو الذي يتنافس البشر في مبانيه، والآية، البنيان، قال ابن عباس آية علم، قال مجاهد أبراج الحمام، قال النقاش وغيره القصور الطوال، والمصانع جمع مصنع وهو ما صنع وأتقن في بنائه من قصر مشيد ونحوه، قال قتادة هي ما خد للماء، وقوله: {لعلكم تخلدون} إما أن يريد على أملكم ورجائكم، وإما أن يريد الاستفهام على معنى التوبيخ والهزء بهم، وقرأ الجمهور {تَخلُدون} بفتح التاء وضم اللام، وقرأ قتادة {تُخلَدون} بضم التاء وفتح اللام يقال خلد الشيء وأخلده غيره وقرأ أبي وعلقمة {لعلكم تُخلَّدون} بضم التاء وفتح الخاء وفتح اللام وشدّها، وروي عن أبي: {كأنكم تخلدون} وروي عن ابن مسعود {كي تخلدون}، والبطش الأخذ بسرعة وقوة، والجبال المتكبر، ومنه قولهم نخلة جبارة إذا كانت لا تدرك علوًا.
ومنه قوله عليه السلام في المرأة التي أبت أن تتنحى عن طريقه «إنها جبارة»، ومنه الجبروت فالمعنى أنكم كفار الغضب، لكم السطوات المفرطة، والبوادر من غير تثبت، ثم ذكرهم عليه السلام بأيادي الله قبلهم فيما منحهم من الأنعام والذرية والجنات والمياه المطردة فيها، ثم خوفهم عذاب الله تعالى في الدنيا فكانت مراجعتهم أن سووا بين وعظه وتركه الوعظ، وقرأ ابن محيصن {أوعت} بإدغام الظاء في التاء، ثم قالوا {إن هذا إلا خلق الأولين}، واختلفت القراءة في ذلك، فقرأ نافع وعاصم وحمزة وابن عامر {خلُق} بضم اللام فالإشارة بهذا إلى دينهم وعبادتهم وتخرقهم في المصانع، أي هذا الذي نحن عليه خلق الناس وعادتهم وما بعد ذلك بعث ولا تعذيب كما تزعم أنت، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي وأبو قلابة {خُلْق الأولين} بضم الخاء وسكون اللام ورواها الأصمعي عن نافع، وقرأ أبو جعفر وأبو عمرو {خَلْق الأولين} بفتح الخاء وسكون اللام وهي قراءة ابن مسعود وعلقمة والحسن، وهذا يحتمل وجهين: أحدهما وما هذا الذي تزعمه إلا اختلاق الأولين من الكذبة قبلك وكذبهم فأنت على منهاجهم، والثاني أن يريدوا وما هذه البنية التي نحن عليها إلا البنية التي عليها الأولون حياة وموت وما ثم بعث ولا تعذيب، وكل معنى مما ذكرته تحتمله كل قراءة، وروى علقمة عن ابن مسعود {إلا اختلاق الأولين} وباقي الآية قد مضى تفسيره. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أتبنون بكُلِّ رِيع} وقرأ عاصم الجحدري، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة: {بكُلِّ رَيْع} بفتح الراء.
قال الفراء: هما لغتان.
ثم فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه المكان المرتفع؛ روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: بكل شَرَف.
قال الزجاج: هو في اللغة: الموضع المرتفع من الأرض.
والثاني: أنه الطريق، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال قتادة.
والثالث: الفجُّ بين الجبلين، قاله مجاهد.
والآية: العلامة.
وفيما أراد بهذا البناء ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه أراد: تبنون مالا تسكنون، رواه عطاء عن ابن عباس؛ والمعنى أنه جعل بناءهم ما يستغنون عنه عبثًا.
والثاني: بروج الحمام، قاله سعيد بن جبير، ومجاهد.
والثالث: أنهم كانوا يبنون في المواضع المرتفعة ليُشرفوا على المارَّة، فيَسْخَروا منهم ويَعْبَثوا بهم، وهو معنى قول الضحاك.
قوله تعالى: {وتَتَّخِذون مَصَانع} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: قصور مشيَّدة، قاله مجاهد.
والثاني: مصانع الماء تحت الارض، قاله قتادة.
والثالث: بروج الحمام، قاله السدي.
وفي قوله: {لعلَّكم تَخْلُدون} قولان.
أحدهما: كأنَّكم تخلُدون؛ قاله ابن عباس، وأبو مالك.
والثاني: كَيْما تَخْلُدوا، قاله الفراء، وابن قتيبة.
وقرأ عكرمة، والنخعي، وقتادة، وابن يعمر: {تُخْلَدون} برفع التاء وتسكين الخاء وفتح اللام مخففة.
وقرأ عاصم الجحدري، وأبو حصين: {تُخَلَّدون} بفتح الخاء وتشديد اللام.
قوله تعالى: {وإِذا بَطَشْتُم بَطَشْتُم جبَّارِين} المعنى: إِذا ضربتم ضربتم بالسياط ضرب الجبَّارين، وإِذا عاقبتم قَتَلتم؛ وإِنما أنكر عليهم ذلك، لأنه صدر عن ظلم، إِذ لو ضَربوا بالسيف أو بالسوط في حَقٍّ ماليموا.
وفي قوله: {عذابَ يوم عظيم} قولان.
أحدهما: ما عذِّبوا به في الدنيا.
والثاني: عذاب جهنم.
قوله تعالى: {إِنْ هذا إِلا خُلُق الأوَّلين} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي: {خَلْق} بفتح الخاء وتسكين اللام؛ قال ابن قتيبة: أرادوا اختلاقهم وكذبهم، يقال: خَلَقتُ الحديثَ واختلقتُه، أي: افتعلته، قال الفراء: والعرب تقول للخُرافات: أحاديثُ الخَلْق.
وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وحمزة، وخلف، ونافع: {خُلُق الأولين} بضم الخاء واللام.
وقرأ ابن عباس، وعكرمة، وعاصم الجحدري: {خُلْق} برفع الخاء وتسكين اللام؛ والمعنى: عادتهم وشأنهم.
قال قتادة: قالوا له: هكذا كان الناس يعيشون ما عاشوا، ثم يموتون، ولا بعث لهم ولا حساب.
قوله تعالى: {وما نحن بمعذَّبين} أي: على ما نفعله في الدنيا. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين} التأنيث بمعنى القبيلة والجماعة.
وتكذيبهم المرسلين كما تقدّم.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين} بيّن المعنى وقد تقدّم.
قوله تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ} الرّيع ما ارتفع من الأرض في قول ابن عباس وغيره، جمع رِيعة.
وكم ريع أرضك أي كم ارتفاعها.
وقال قتادة: الرّيع الطريق.
وهو قول الضحاك والكلبي ومقاتل والسدي.
وقاله ابن عباس أيضًا.
ومنه قول المسيب بن عَلَس:
في الآلِ يَخفِضُها ويَرفَعُها ** رِيعٌ يَلُوحُ كأَنَّه سَحْلُ

شبّه الطريق بثوب أبيض.
النحاس: ومعروف في اللغة أن يقال لما ارتفع من الأرض ريعٌ وللطريق ريعٌ.